الخميس، 17 يناير 2013

تاريخ الصحافة
تقديم : -
لا بد من التفريق بين بداية الصحافة ، وبين بداية الطباعة في القرن الخامس عشر ، حيث ظهرت مطبوعات عديدة ، قبل ظهور الصحافة الدورية المنتظمة ، والتي يمكن أن نطلق عليها " الجريدة " ، ونحن لا نتحدث عن الكتب ، أو النشرات الموسمية ، أو الإعلانات الورقية ، ولا عن الوثائق الحكومية الرسمية ، وان كانت ذات صله بالصحيفة الدورية المنتظمة : الاسبوعيه أو اليومية ، الورقية تحديدا .
النشأة الأولى : -
مع بداية عصر النهضة في أوربا ، وضع غوتنبرغ ، أسس الطباعة في ستراسبورغ ، عام 1438م ، وانتشرت بسرعة ملحوظة ، فظهرت الخدمات البريدية في فرنسا عام 1464م ، وفي انجلترا عام1478من ، وفي ألمانيا عام 1502م ، وأصبحت الأخبار جزءا من هذه الخدمات بين البلدان ، ثم ظهرت أوراق المناسبات المطبوعة على هيئة دفاتر صغيره من ثماني صفحات ، تزداد مع زيادة المناسبات مثل / الوفيات والحفلات والتعيينات والترقيات الحكومية ، والعلاقات بين الحكومات في الحرب والسلم ، وكانت تباع في المكتبات ، أو بواسطة الباعة الجوالين ، إلى أن ظهرت صحف الرأي ، مع تزايد الجدل ما بين السياسة والدين ، وظهرت معها الرقابة على المطبوعات ، خاصة من جهة الكنيسة التي كانت لا تزال لها اليد الطولي في تسيير أمور الحكم داخل أوربا في القرن السادس عشر، مابين أعوام ( 1524- 1586) ، وبدأت معالم الصحيفة الدورية مع ظهور التقويمات السنوية ، والمنشورات التنجيميه ، والإعلانات التجارية ، والأشعار الغنائية ، ونشأت شبكات صحفيه لتبادل الأخبار ، حتى ظهرت أول مجله شهريه منتظمة في ألمانيا عام 1597م
الصحافة الدورية : -
في العام 1605، ظهرت أول صحيفة نصف شهريه ، وتبعها في العام 1609م ظهور أول صحيفة أسبوعيه في ستراسبورغ ، التي شهدت اكتشاف الطباعة في ألمانيا ، ومن بعدها انتشرت الصحف الاسبوعيه في سويسرا ، والنمسا ، وتشيكوسلوفاكيا ، وهولندة ، حتى العام 1620م
وبالنسبة لفرنسا فقد كانت أول صحيفة أسبوعية فيها ، تصدر عام 1631م ، على يد الطبيب " لويس فندوم " وكان صاحب مكتبه وتعلم الصحافة في هولندة ، وأدار خدمة الإعلانات المبوبة ، والأبواب الطبية وتطورت من بعده الصحافة الفرنسية بدعم من الوزير " ريشيليو" ، وكتب الفرنسي " رونودو" يقول عن الصحافة حينها :
"إذا كان التاريخ هو الذي ينشي الأحداث ، فان الصحافة هي صدى هذه الأحداث ، وهي لا تكذب ، إلا إذا نقل إليها خبرا كاذبا ، وعلى الملوك والأمراء ، أن يتركوا لها حرية المرور ، والانتشار ، تدعيما للحريات "

السلطة الرابعه : -
في انجلترا ، كانت الصحافة صاخبة متميزة عن مثيلاتها في كل أوربا ،
وأتاح لها الصراع السياسي ، أن تكون السلطة الرابعة في البلاد ، حين استغلت كأداة طيعة في أيدي أصحاب النفوذ والسلطان ، مما جعل المجلس النيابي الانجليزي يصدر قرارات بتقييد حريتها النسبية منذ العام 1662م ، وخضعت لضرائب ورسوم مكلفه ، حتى العام 1791م ، لكنها كانت أقوى الصحف الاوربيه ، وتعتبر " لندن غازيت " التي بدأت الصدور عام 1665م ، أول جريده رسميه انكليزية ، و"الديلي ادفرتيزر" التي صدرت أعوام (1730-1760) اقوي جريدة إعلانات ، لكن أشهرها هي الصحف التي تخصصت في الكتابات الادبيه والفنية والفكرية البحتة ، مثل "تتلر" ، و"ذاسبكتيتر" عام 1712م ثم " نورث بزيتون" عام 1762م ، وكانت تنشر الروايات المسلسلة .
وفي ذلك الزمان كانت هناك ثلاث صحف رسميه فرنسيه أسبوعيه ثم أصبحت نصف أسبوعيه مع الرواج الذي حققته حين بلغ عدد المشتركين في صحيفة " لاغازيت ده فرنس " أكثر من 12000مشترك عام 1780م ، ولكن مع رواج الصحافة الادبيه الفرنسية وزيادة الضرائب على الصحف ، تأثرت الصحف الرسمية ، وفضل الجمهور الدوريات الثقافية ، مثل " جرنال ده سافان " أو " له مركور" ، وغيرها ، ولم يذكر أحد بأن فلاسفة فرنسا أمثال "فولتيير" أو " روسو" ساهموا فيها لكن الصحفيين الفرنسيين المنفيين ساهموا في إصدار الصحف الهولندية وكانوا يهربونها إلى فرنسا في فترة ما قبل قيام الثورة .
وفي ألمانيا عرفت الدوريات ذات الطابع الوطني ، والتي عانت من الرقابة وتسلطها كما انتشرت فيها صحافة الإعلانات ، ولذا تخلفت الصحافة الالمانيه حتى منح لها الملك " جوزيف الثاني " الحرية عام 1781م فازدهرت ، ثم عادت للتراجع مع عودة الرقابة وزيادة الضرائب
وتمثل الثورة الفرنسية حقبه أساسيه في تاريخ الصحافة ، والتي حددت مبادئ حرية الصحافة ، كسلطة رابعة ، معترف بها ، والتي صدرت عام 1789م وظلت طوال القرن 19 برنامجا يطالب به الصحفيون في العالم كله والذي بنص في أهم فقراته على : "أن حرية التعبير عن الأفكار والآراء أحد أثمن حقوق الإنسان ، ولذا يستطيع كل مواطن أن يتكلم ، ويكتب وينشر بحريه ، ماعدا الإفراط في استعمال هذا الحق في الأمور التي يحددها القانون " ن وقد صدرت 1350 صحيفة فرنسيه خلال الأعوام(1789- 1800) فقط ، في ظل حياة سياسيه مضطربة ، تعني الحرية المحدودة ، خوفا من الفوضويين ، مع انتشار الصحافة الثورية والاخباريه ، معلنة انتهاء عصر الرومانسية الفكرية والادبيه .

الصحافة والصناعة : -
أحرزت الصحافة تقدما في الثلثين الأولين من القرن 19 فقفز عدد النسخ المطبوعة في الصحف الفرنسية من خمسين ألف عام 1801 إلى مليون نسخه في العام 1870 وكان وراء هذه القفزة عدة عوامل سياسية واجتماعيه واقتصاديه ، فقد اتسعت مساحة الحرية السياسية كما زاد عدد المتعلمين وارتفع المستوى الثقافي بين الطبقات الفقيرة إلي لجأت إلى الصحافة لإشباع تطلعاتها وبعد أن كانت الصحيفة منتجا مكلفا محصورا للنخبة من الاترياء والمثقفين الأوربيين انخفضت أسعارها لتصبح في متناول العامة من المثقفين والمتعلمين كما ساعد تطور التقنية الصحفية على إخراج جذاب للصحف باكتشاف حبر المطابع في العام 1818م على يد الفرنسي " لوريو " ثم بدأت صناعة الورق من ورق الخرق وكانت اقل كلفة من ورق الخشب الذي كان يستخدم في صناعة الورق ، وبدا استعمال طريقه " الستيريوتيب" في تنضيد الحروف ونسخها بدلا من التنضيد اليدوي وكان ذلك نصرا لمطابع الصحف يرجع الفضل فيه إلى الفرنسي "تقولا سيري ير" عام 1852م وبدا استخدام الطابعات الاليه والتي ضاعفت سرعة الطبع القديمة في صحيفة التايمز اللندنية عام 1811م وتم استحداثها لمصلحة التايمز أيضا في العام 1845م وأمنت هذه الطابعات إخراج 18الف نسخه في الساعة ، كما تعدلت طريقة الحفر على الخشب باستخدام الطابعة الحجرية في إخراج الرسوم والأشكال الصحفية ، ولا يمكن تجاهل التقدم الإنساني في مجال المواصلات والبريد والتلغراف وانتشار خطوط السكك الحديدية في انتشار الصحافة الورقية ، وظهور وكالات الأنباء العالمية التي تخصصت في تجارة الأخبار ، وكانت أولها في فرنسا وكالة هافاس عام 1835م مستخدمة مترجمين للصحف الاجنبيه وشبكة من المندوبين والمراسلين داخل فرنسا وخارجها لجمع الأخبار والإعلانات التجارية ، ثم أنشئت وكالة "وولف " الالمانيه وكانت أول وكاله تستخدم البرق الكهربائي لالتقاط الأخبار في العام 1849م ، لكن الوزير بسمارك وضعها تحت الوصاية الحكومية عام 1865م ، وفي لندن أنشئت وكالة رويتر عام 1851م وكانت أقوى وكالات الأنباء الاوربيه لمائة عام تاليه بجانب وكالة الاسوشيتيدبرس الامريكيه التي بدأت عملها من اتحاد الصحف اليومية في نيويورك منذ العام 1848 ولا كثر من 150 سنه وشهدت هذه الوكالات منافسة شديدة في ما بينها دفعها إلى التفكير في عقد اتفاق جنتلمان عام 1872م لتبادل الخدمات الاخباريه تعطي لكل منها رقعة جغرافيه تعمل فيها دون غيرها ، وهكذا نشأت الصحافة الورقية التي عرفناها في العالم العربي خلال القرن العشرين ، متنقلة من مرحلة النخبة إلى مرحلة الهيمنة الرسمية وصولا إلى مرحلة الصحافة الشعبية الرخيصة ، وما أنجزته أوربا وأمريكا خلال خمسمائة سنه ، حققته بعض الصحف العربية في مائة سنة من القرن العشرين .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق